تطور المدن في المغرب الإسلامي وعلاقاتها العلاقات التجارية ببلاد السودان خلال القرنين 3و4هـ (9_10م)
مقدمة:
عرف
العالم الإسلامي ابتداء من القرن الثاني إلى الرابع الهجري تطورا عمرانيا
كبيرا،ويعد تأسيس المدن أبرز سماته،وقد أصبح بعضها يمثل أكبر مدن
العالم
(1)وقيل أن المجتمع الاسلامي هو مجتمع مدن
(2)،كمايلاحظ أن التطور
العمراني للعالم الاسلامي،قدحدث خلال فترة ازدهار الحضارة
الاسلامية،واعتمد أساسا على الازدهارالاقتصادي الذي يكاد ينحصر في تلك
الفترة على النشاط التجاري،وهو النشاط الذي يكمن وراء تطور المدن وانتشار
شبكة المسالك التجارية البرية والبحرية معا
(3).وفي هذا الصدد أشار ابن
خلدون إلى العلاقة بين العمران والازدهارالاقتصادي حيث قال"ومتى عظم الدخل
والخرج اتسعت أحوال الساكن ووسع المصر"
(4).وكان للمدن المغربية دور بارز
في المبادلات التجارية بينها وبين بلاد السودان،،بسبب ارتباطها بشبكة من
المسالك التجارية ببلاد السودان.فكانت القيروان بداية الانطلاق،وسجلماسة
بوابة بلاد السودان في المغرب.
1/تطور المدن في المغرب الإسلامي:قبل
التطرق إلى العلاقات التجارية بين المغرب الاسلامي وبلاد السودان،لابد من
تقديم توطئة تنظيرية تهدف إلى إبراز العلاقة الجدلية بين التطور العمراني
والازدهارالتجاري،وأثر ذلك في المكانة البارزة التي أصبح يحتلها المغرب
الاسلامي في التجارة العالمية،وتنطلق هذه الرؤية التنظيرية من الواقع
التاريخي والاقتصادي،فهي تسعى جاهدة إلى اكساب أوجه النشاط العمراني
والتجاري الذي تعرضت إليه مصادر الجغرافيين والمؤرخين العرب،ويبدو في هذه
الرؤية التنظيرية ضربا من ضروب التجديد في دراسة مميزات الحضارة العربية
الاسلامية.إذلايمكن فهم أهمية دور المدن التجارية في المغرب الاسلامي
والتي شهدت تطورا عمرانيا واقتصاديا ذا شأن خلال القرنين الثالث والرابع
الهجري إلا في إطار نظرة شاملة لتطور المدن،وليس في نطاق نظرة ضيقة أي
النظرة إلى المدينة باعتبارها وحدة مستقلة.
إن تطبيق هذه النظرة
الجديدة لتاريخ المدن وتطورها يقتضي اعتبارمظهرين أساسيين:فالمظهر الأول
يتجلى في ذلك التطور العمراني والديمغرافي الذي شهده العالم الاسلامي عامة
والمغرب الإسلامي خاصة، ابتداء من النصف الثاني للقرن الثاني الهجري وخاصة
خلال القرنين الثالث والرابع الهجري،ويتصل بهذالتطور بروز شبكة من المسالك
بعضها قديم وبعضها جديد،ولكنه اكتسب أهمية جديدة خلال عهد الازدهار
العمراني في العالم الاسلامي،أما المظهرالثاني فيتمثل في ارتباط التطور
العمراني وما يتصل به من قضايا متعددة بديناميكية إقتصادية في منطقة
جغرافية واسعة وهامة كانت تشكل في تلك الفترة قلب مراكز التجارة العالمية
ومسالكها وقد أحدثت هذه الديناميكية حاجات اقتصادية جديدة،اكتسبت بينها
بضاعتان أساسيتان هما الذهب وتجارة الرقيق
(5).لقد ارتبط تطور
التجارة،وتوطدت العلاقات التجارية بين المغرب الإسلامي بانتشار
الإسلام،ولاسيما في المناطق الصحراوية من المغرب الإسلامي وبصورة خاصة في
جنوب الصحراء إثر التطور الكبير والسريع الذي شهدته التجارة الصحراوية
ابتداء من القرن الثالث الهجري وهي تعتمد أساسا على البضاعتين الأساسيتين
في التجارة العالمية انذاك وهي الذهب وتجارة الرقيق، فقد ظهرت تجمعات
سكانية في مختلف مراكز التجارة المؤسسة على طول المسالك التي كانت تربط
بين الصحراء جنوبا وموانىء البحرالمتوسط شمالا من جهة،وبين الصحراء
والمشرق الاسلامي من جهة ثانية،وقد كانت فئة التجارالمسلمين أنشط عناصر
سكان تلك المراكز التجارية،ليس في النشاط التجاري فحسب بل في
نشرالاسلام،لقد سمح الموقع الجغرافي للمغرب الإسلامي بتفتح تجاري وحضاري
كبيرين، فمن المعروف أن الحوض الغربي من البحرالمتوسط يتصل بأوسع منطقة
جغرافية تشرف على الصحراء،فبعد الواجهة البحرية،توجد الهضاب الفاصلة بين
الساحل والصحراء، وكان لهذا الموقع أثربالغ في تطورالمسالك التجارية
وتنوعها جنوبا شمالا وغربا شرقا، وكذلك في ازدهار تجارة الذهب والرقيق في
بلاد المغرب،وقد أثر العامل الجغرافي تأثيرا واضحا في مساهمة المغرب
الاسلامي في التجارة العالمية،وفي علاقاته الحضارية مع منطقة البحر
المتوسط.