خلال القرن الثاني الهجري،فإن سياسية السيطرة على المسالك التجارية البرية والبحرية،وخاصة ضمان استيراد الذهب والرقيق من بلاد السودان هي التي تكمن وراء الصراع السياسي والمذهبي الذي عرفه المغرب الاسلامي خلال القرنين الثالث والرابع ،ومن الأمثلة على ذلك الصراع الأموي الفاطمي ومارتبط به من تحالف سياسي وقبلي.لقد ارتبطت المنتجات الفلاحية المغربية بالتجارة في العصر الوسيط،وذلك لأسباب هي:الثنائية الاقتصادية الزراعة والتجارة،وهي ميزة الاقتصاد المغربي ابتداء من القرن الثالث الهجري"(30).،والسبب الثاني أن كثيرا من المنتجات الزراعية أصبحت بضائع أساسية في قائمة التبادل التجاري خاصة بالنسبة للتجارة الصحراوية مثل الحبوب والتمور والزبيب وقصب السكر ،ومن النتجات الحيوانية الصوف،وتجدر الاشارة إلى أن ابن خلدون قدتنبه إلى هذه الظاهرة في حياة المدن قبل ظهور النظريات الحديثة ،فكتب فصلا في المقدمة سماه:"فصل فيما تجب مراعاته في المدن،وما يحدث إذا غفل عن تلك المراعاة فأشار إلى ضرورة ضمان مناطق زراعية حول المدينة قائلا:"ومما يراعي أيضا المزارع،فإن الزروع هي الأقوات،فإذا كانت مزارع البلد بالقرب منها كان ذلك أسهل في اتخاذه وأقرب إلى تحصيلها"(31).
2/علاقة المدن المغربية التجارية ببلاد السودان:ويبدو من خلال التطور التاريخي للمدن في المغرب الإسلامي،أنها ساهمت بشكل كبير في العلاقات التجارية بين المغرب الاسلامي وبلاد السودان عبر المسالك والطرق التجارية التي كانت تربطها بمدن بلادالسودان،ومن بين المدن المغربية التي كان لها دور أساسي في هذه العلاقات القيروان وتاهرت وسجلماسة،أما المدينة التي كانت تشكل حلقة الاتصال التجاري بين المغرب الاسلامي وبلاد السودان هي مدينة أودغست.فماهي علاقة هذه المدن التجارية في المغرب الإسلامي ببلاد السودان؟ فمدينة القيروان كانت نقطة الانطلاق في ضبط المسالك وتحديدالمسافات التي تحدث عنها الجغرافيون العرب،وبقيت منذ تأسيسها إلى سقوطها في منتصف القرن الخامس الهجري أهم مركزمغربي.
في حركة النقل التجاري،وكانت نقطة لقاء بين المغرب والمشرق،وبين التجارة المتوسطية.وقوافل التجارة الصحراوية،وكانت علاقة القيروان ببلاد السودان وهي علاقة قديمة،تعود إلى بداية القرن الثاني الهجري ،فقد أرسل عبيدالله بن الحبحاب بعد أن ولى إفريقية والمغرب سنة116هـ قائده حبيب بن أبي عبدة إلى المغرب الأقصى،فغزا السوس الأقصى،وبلغ أرض السودان(32).وقد تطورت العلاقات التجارية بين القيروان وبلاد السودان خلال القرن الثالث الهجري،وكان مصدر ثروة لعدد من تجار المدينة،فقد استأذن أحدهم الامام سحنون أن يبني قنطرة يجوز عليها الناس على دارسحنون،فأبى سحنون لأن كسبه كان من بلاد السودان(33).وكان علماء القيرون يتورعون من مال التجارة خاصة من تجارة بلاد السودان،لما اشتهرت به من ربح فاخش أو استغلال،وجاء في ترجمة أبي الفضل أحمد بن علي أحد تلاميذة سحنون أنه ترك من ميراث أبيه أكثر من ألف دينار لم يرثها،فسئل عن ذلك فقال:"كان من تجارة العاج فكرهته لماجاء فيه عن أهل العلم"(34).ولما نقطع البسي من إفريقية،أصبح السودان مصدرا ثريا يمد القيروان وبقية المراكز التجارية المغربية بما تحتاجه من رقيق،وهي الفترة التي كان فيها صائغ القيروان يصدر بضاعته إلى بلاد السودان،وكان إبراهيم بن الأغلب يتخذ الحرس من العبيد السود خلال النصف الثاني من القرن الثاني الهجري.أما بالنسبة لتهارت الرستمية فقد تطورت الحركة العمرانية بها نتيجة التطور الاقتصادي ولاسيما تجارتها،وكانت ملتقى لطريقين تجاريين وئيسيين لعبا دورا هاما في الحياة التجارية المغربية من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الثاني عشروهما طريق الشرق والغرب،أي من بلاد مصر إلى شواطىء المحيط الأطلسي الذي يربط المدن الواقعة على حدود الصحراء مع تجارة بلاد السودان،وطريق جنوب شمال أي بلاد السودان والمدن الصحراوية إلى شواطىء البحرالمتوسط.،بالاضافة إلى موقع تاهرت الجغرافي الذي سمح لها بالتحكم في الطريقيين التجاريين.